الكون هو كل شئ في هذا الوجود من مادة وطاقة فهاهي مادته الصغيرة من كواركات وإلكترونات وغيرها متماسكة مع بعضها لتكوين أجزاء أكبر هي الذرات التي بدورها بتماسكها مع بعضها تشكل الجزيئات والجزيئات تجتمع مع بعضها لتكون الغبار والأجرام السماوية التي منها النجوم والكواكب و الأقمار والكويكبات والشهب وغيرها وتجتمع النجوم ضمن مجموعات كبيرة جداً تعرف بالمجرات والمجرات بدورها توجد ضمن مجموعات أكبر تدعى بعناقيد المجرات والتي تجتمع مع بعضها في ما فوق العناقيد المجرية مكونة الكون الكبير ضمن حلقة دائرية كبيرة تمتد من الكوارك حتى المجرة .


يتكون الكون من المادة والطاقة وتؤثر بمكوناته القوى الكونية الأربعة من الجاذبية حتى الكهرطيسية فالنووية القوية والضعيفة .ويحتوي كوننا على العديد من الأسرار والألغاز لعل من بين أشدها غموضاً لغز الثقب الأسود الخفي ولكن قبل الحديث عن ثقبنا الأسود علينا أن نتعرف على النجوم بشكل اكثر وأن نعرف كيف تولد وكيف تعيش وكيف تموت وكيف وصل بها المطاف لتصبح ثقباً أسود مخيف في هذا الكون .


ولدت النجوم بعد ولادة الكون وحتى هذا الوقت بنفس الآلية فبعد الانفجار الأعظم وظهور ذرات الهيدروجين اجتمعت هذه الذرات مع بعضها ومع غبار كوني فيما يعرف بالسديم الذي هو عبارة عن سحابة من الغاز والغبار ونتيجة لوجود ذرات الهيدروجين وبتأثير من قوة الثقالة تتقلص السحابة وتزداد درجة الحرارة والضغط حتى تقترب الذرات من بعضها لمسافات معينة تظهر عندها أثر القوة النووية  الشديدة حيث يندمج الهيدروجين مع بعضه ليكون الهليوم ويشع باقي الكتلة طاقة حسب معادلة أينشتاين وتعد هذه اللحظة بالذات لحظة ولادة النجم وينتقل بعدها النجم لحياته الطبيعية والتي يستهلك خلالها غذائه النووي ويقدر عمر النجوم من خلال مدى إشعاعها أي اللون التي تظهر فيه فنجم مثل شمسنا يقترب لونها من البرتقالي يقدر عمرها بعمر الشباب  وبانتهاء التفاعلات النووية في باطن النجم تبدأ مرحلة جديدة  هي مرحلة موت النجوم حيث تتحول النجوم إلى عمالقة حمراء نتيجة القوى الشديدة داخل النجوم وبعد ذلك تظهر المفارقة فأمامنا عدة حالات بعد العملاق الأحمر لموت النجوم :


الحالة الأولى نجم كشمسنا أو أصغر يتقلص متحولاً لقزم أبيض صغير هادئ مهمل في مكان ما في الكون وذلك لانتصار قوة التنافر بين الإلكترونات على باقي القوى ولا يشع القزم الأبيض فشمسنا مثلاً ستبتلع كوكب الزهرة والأرض وعطارد والمريخ وتصل لحدود كوكب المشتري وذلك في مرحلة العملاق الأحمر وتعود بعد فترة كونية للتقلص متحولة لقزم أبيض .


أما الحالة الثانية فهي نجم أكبر من نجمنا الشمس بـ1.4 وأصغر بـ3مرات كتلة شمسنا وهنا نصادف بعد العملاق الأحمر ونتيجة لتفوق القوة النووية الشديدة النجم النيتروني العالي الإشعاع وذو جاذبية عالية جداً .


الحالة الثالثة والتي هي الحالة التي نحن بصدد دراستها مرحلة الثقوب السوداء فالنجوم الأكبر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس تتحول بعد مرحلة العملاق الأحمر لثقوب سوداء .


فالثقب الأسود هو حيز من الفضاء يحيط بجسم تداعى وانكمش إلى أبعاد صغيرة لدرجة أصبح معها الجذب الثقالي كبيراً لدرجة أن الضوء نفسه لا يستطيع أن يهرب من قبضته .


إن مصطلح الثقب الأسود مصطلح جديد قال به العالم ويلر عام 1969 لكن فكرة الثقب الأسود فكرة قديمة جداً بدأت منذ الصراع العنيف الذي شهدته ساحة الفيزياء بين كون الضوء موجة أو جسيم ونحن نعلم الآن أن الضوء له الوجهين كليهما فهو موجة وبنفس الوقت جسيم ؟ وفي عام 1783نشر العام ميتشل مقالة تتعلق بنجم كبير وله كثافة عالية ويتمتع بحقل جاذبية شديد لدرجة أن الضوء  نفسه لا يستطيع الإفلات وبقيت هذه الفكرة منسية حتى جاء العالم العظيم أينشتاين بنسبيته العامة التي أوضحت مفهوم الثقالة وفتحت المجال للبرهان على الوجود الرياضي لمثل هذه الأجسام وهنا جاء دور العالم الهندي تشندرا سيخار الذي برهن اعتمادا على النسبية العامة وجود الثقوب السوداء وآلية عملها وكيف ولدت( جميع حدود موت النجوم أصبحت تدعى حد تشندرا سيخار) وأثبت أن النجم يستطيع أن يحافظ على نصف قطر ثابت اعتماداً على مبدأ الارتياب والثقالة وبالحساب وجد أن النجم الأثقل من الشمس بمرة ونصف (حد تشندرا سيخار) يعجز عندما يبرد (بعد مرحلة العملاق الأحمر ) عن تحمل ثقالته الذاتية وبالتالي يتحول لنوع جديد ولم يستطع تشندرا أن يقول بأن هذا النوع هو الثقب الأسود وحتى أنه لم يستطع متابعة أفكاره بسبب استنكار رجال العلم في ذلك الوقت حول هذه الأفكار فتوقفت أعمال تشندرا حتى عام 1939 حيث عاد العالم أوبنهايمر لطرح هذه الفكرة من جديد وامتد بها ليقول أن الحقل الثقالي للنجم يغير مسارات الأشعة الضوئية في الزمكان وبالتالي فالضوء يتأثر بجاذبية النجم فالنجم ذو الجاذبية الكبيرة جداً ممكن أن يقيد حركة الضوء ويمنعه من متابعة رحلته وجاءت الحرب العالمية الثانية لتوقف أعمال أوبنهايمر وفي نهاية القرن العشرين وبسبب القفزة الفضائية الكبيرة عاد العلماء لطرح هذه الأفكار ودراستها وهنا ولدت فكرة الثقوب السوداء هذه الثقوب التي تملك حقلاً ثقالياً كبيراً ضمن حجم صغير نسبياً .


وجاءت أعمال العالم الكبير ستيفن هوكنغ لتكشف الستار عن الثقوب السوداء ودعمت هذه الأفكار الأرصاد الحديثة والمتطورة وخاصة ما أتى به مقراب هابل الفضائي الذي سبب قفزة علمية في دراسة علم الفلك وبين أمور كثيرة كانت خافية علينا .يتميز الثقب الأسود بوجد إطار به يسمى أفق الحدث وهو الحيز المكاني الذي لا يسمح للضوء من الإفلات بعد اختراقه  ولأفق الحدث دور هام ورئيسي في دراسة الثقب الأسود وتحديد هويته والكشف عنه فالثقب الأسود لا يصدر أية أشعة أو أية جسيمات بل يمتصها بداخله ولكن أفق الحدث هو الذي يصدر الإشعاعات التي تدل على وجود الثقب الأسود فهو يحتوي على حقل جاذبية ذي قوة هائلة تؤثر على مسافات بعيدة عن الثقب الأسود وبالتالي يمكن لهذا الحقل الضخم حسب نظرية الكم الحديثة أن تولد جسيمات مادية وتبث إشعاعات حرارية وهي ما ترصدها المراصد وتعد أهم دليل على وجود الثقوب السوداء وأهم هذه الأشعة هي الأشعة السينية الهائلة المنطلقة بجوار الثقب الأسود نتيجة تعرض الغازات لقوى المد الثقالي الهائل فتنضغط تلك الغازات مطلقة هذه الأشعة لكن  ما كشف عملياً عن وجود الثقوب السوداء هو في استمرار الثقب في تسليط قوة ثقالية هائلة على الأجرام القريبة منه وهذا ما شاهده الفلكيين حيث كشفوا أنه في المجموعة النجمية التي تدعى البجعة (سيغنوس) هناك نجم واحد يدور حول رفيق غير مرئي يصدر أشعة سينية غزيرة والمادة تمتص من النجم المرئي باتجاه نجم غير مرئي ومن خلال الرصد تمت حساب كتلة النجم غير المرئي ووجد أنها تساوي ستة أضعاف كتلة الشمس وبالتالي فالاحتمال الأكبر أن النجم الغير المرئي هو ثقب أسود وهذا مثال واحد من عدة أمثلة فالنسبية العامة تأكد وجود العديد من الثقوب السوداء في الكون للحفاظ على التوازن الكوني من الانهيار .


وهناك أفكار تلوح في الأفق تؤكد على أن في قلب كل كوازر ثقب أسود أما الكوازارات فهو مصادر راديوية شبه نجمية تطلق كميات كبيرة جداً من الطاقة وتسير بسرعات عالية وذات كتل كبيرة وليس في قلب الكوازارات فقط بل في نواة بعض المجرات . يتميز الثقب الأسود بثلاث محددات هي كتلته وشحنته وسبينه أما كيف اكتسبت هذا اللف (السبين) فيقول علماء من ناسا أن المواد التي أفنيت داخل الثقب هي التي تزود الثقب بحركته .


كان ومازال الثقب الأسود يسبب الكثير من المشاكل للعلماء فقد سبب مشكلة بين النظرية النسبية وميكانيك الكم حيث تعجز النسبية عن تفسير بعض تصرفات الثقب وتفسرها الكوانتم بشكل مغاير ولكن أكبر تعارض علمي يخص الثقب الأسود يعود للتعارض الشديد مع قوانين الترموديناميك الثابتة وخاصة فيما يتعلق بأن الطاقة لا تخلق ولا تفنى كل هذا أدى لمفارقة هامة في العلم دعيت بمفارقة المعلومات التي أدت لها فيزيائية الثقب الأسود جعلت العلماء يعيدون حساباتهم في قوانين الديناميك ومفارقة المعلومات هذه هي تعبير عن السؤال ماذا يحدث للمعلومات أي الذرات والجسيمات وغيرها والتي تسقط في الثقب الأسود؟ يقول هوكنغ أن المعلومات تتحول عند نقطة اللاعودة (أفق الحدث ) إلى إشعاعات تنطلق في الفضاء فأفق الحدث يمثل جرس الإنذار بالنسبة للثقب الأسود إضافة لذلك فأن الثقب الأسود يعث بالفوضى وبالتالي له انتروبية تمثل درجة حرارته إذاً الثقب الأسود يشع حرارياً ولكن ليس من داخله بل من أفق حدثه وهنا تناقض جديد مع الترموديناميك الذي يقول بأن أنتروبية جملة معزولة لا تتناقص أبداً ولكن جاءت المفاجأة أيضاً على يد هوكنغ فقد برهن رياضياً وبالاعتماد على المعلومات الرصدية أن الثقب الأسود يصدر جسيمات وأشعة تتعلق بكتلته وبالتالي بدرجة حرارته والتناسب عكسي ولكن نعود ونقول بأن من يصدر هذه الأشعة والجسيمات هو أفق الحدث وليس الثقب الأسود وهنا عملية مصالحة بين الثقب الأسود وقوانين الترموديناميك ولكنها ستؤدي لنتيجة حتمية وهي أن الثقب الأسود يتبخر في الفضاء ويعيد ما أخذه بقوة ثقالته أشعة وجسيمات إلى الكون المحيط بعد أن تكون القوى النووية قد عملت عملها وهذا التبخر يمتد لسنوات طويلة كتعبير عن انتقام الكون من تسلط هذا الثقب وجشعه ولكن ماذا يحدث في داخل الثقب ؟


أن صورة الثقب الأسود في المرآة هو الثقب الأبيض الذي يشع الطاقة المادة في الفضاء دون أن يأخذ شيء ولكن هذه الفرضية مازالت موضع بحث فهي لم تبرهن رياضياً بشكل كامل ولم ترتقي لمستوى الثقوب السوداء من البراهين ولكن ما نعلمه الآن هو وجود إضافة للثقوب السوداء إلكترونات سوداء وهذه الحقيقة أتت بها النسبية العامة أيضاً فجسيم بحجم الإلكترون لا يظهر ولا يمكن الكشف عنه إذا أرتطم بالأرض يشطرها لقسمين .


إن النسبية العامة بعظمتها جاءت للعلم ببعض من أسرار الكون المخيفة وسيأتي العلم في المستقبل القريب بأسرار أكثر غرابة لأن كل بحث عن طبيعة الكون وآفاقه وكل كشف عن بعض ألغازه وإعجازه يفضيان إلى مساحات ممتدة الأبعاد مما نجهل عنه وسيبقى الكون دائماً وأبداً منبع للألغاز كما هو مصرف لجميع النظريات والأبحاث التي تنصهر في بوتقة واحدة هي بوتقة العلم .


عن محمد العصيري...

تم عمل هذا الموقع بواسطة