شرائط الناقلية الفئقة                


لوحظت على خزفيات فائقة الناقلية تشكيلات شريطية عريضة مؤلفة من عدد من الذرات. ويتساءل العلماء هل هي ثابتة أم متحركة، وهل لها صلة مع الناقلية الفائقة في درجات الحرارة العالية.  


لا يزال العلماء يحاولون بناء نظرية لتفسير آلية الناقلية الفائقة في درجات الحرارة العالية، وحركة الشحنات الكهربائية داخل الخزفيات. ويعتقد بعضهم أن الشرائط التي تظهر على الخزفيات تحمل مفتاح الحل لهذا اللغز. وهم يقولون إن إن الشحنات تنتقل بحرية في قلب هذه المواد في شكل شرائط عرضها نحو بضعة ذرات. لكن كبار العلماء كانوا يشككون حتى فترة قريبة بذلك. لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما بينت التجارب أهمية هذه الشرائط في نظرية الناقلية الفائقة. ومنذ تشرين الثاني الماضي ضاعف الفريق العلمي أبحاثه بشكل كبير بحيث كانوا يعملون كما يقول رئيسه 24 ساعة كل يوم. وسبب ذلك كما يقول هو أهمية هذا القطاع البحثي. فمنذ ظهور أولى الخزفيات فائقة الناقلية في عام 1986 أصبح الكشف عن سرها تحدياً لفيزيائيي المادة المتكثفة. وحتى الآن لم تظهر بوادر حل لغموض هذه الظاهرة التي انتشر تطبيقها على نطاق واسع، لكن الإكتشافات الحديثة جاءت لتؤكد علاقة الأشرطة بفهم ظاهرة الناقلية الفائقة. هذا على الرغم من أن جميع الفيزيائيين كانوا يجمعون على أن هذا الأمر يجب أن ينهي الناقلية الفائقة لا أن ييسرها. وكما يقول أحدهم فإنه توجد إثباتات على وجود الشرائط، لكنها لا تقول شيئاً عن الطريقة التي تشارك فيها في إنتاج الناقلية الفائقة.


الباحثون الأوائل المدافعون عن نموذج ناقلية شرائط الشحنات يعملون في مجال التفاعلات الكهربائية والمغنطيسية للنواقل الفائقة من الخزف. فلكافة هذه المواد بنية مشتركة هي الطبقات: إنها عبارة عن وريقات من ذرات النحاس والأكسجين وقد انحصرت بين طبقات ذرات أخرى، مثل الإيتريوم والباريوم والسترونتيوم أو اللانثان. وفي كل ذرة أكسجين موجودة في وريقة أكسيد النحاس عدد زوجي من الإلكترونات التي تمتلك لفاً ذاتياً موجهاً في اتجاهين متعارضين. وهذا يؤدي إلى انعدام العزوم الحركية الإلكترونية، مما يعني عدم تمييز الذرات إفرادياً بأي لف ذاتي. وبالمقابل فإن النحاس يملك عدداً فردياً من الإلكترونات، وبالتالي يوفر له لفاً ذاتياً فائضاً. وفي هذه المواد تتجاذب العزوم الذاتية المتعارضة، وعندما يتوجه لف ذاتي إلى الأعلى مثلاً فإن مجاوره يتوجه نحو الأسفل. وهكذا فإن ذرات النحاس المتجاورة تصطف بحسب توجهاتها المتعارضة مما يخلق شكلاً متناوباً. ومما لا شك فيه أن ذلك يزعج على المستوى الجهاري حركة الشحنات الحرة. ويستخدم الباحثون في هذه المواد عنصر اللانثان الذي يأتي ترتيبه الذري في الجدول الدوري 57. ويعطي هذا العنصر إلكترونات لذرات أكسيد النحاس الشرهة للشحنات السالبة. وعندما تحل ذرات السترونتيوم التي تملك إلكتروناً واحداً فائضاً على الأقل محل ذرات اللانثان، فإن بعض ذرات النحاس تصبح ذات روابط حرة. وهذه الفراغات أو الثقوب تنتقل عندها في المادة حاملة شحنة موجبة إنما ليس لفاً ذاتياً.


في بداية التسعينات تم البرهان أن حركة الثقوب يغير شبكة اللف الذاتي في المادة. فعندما يقفز ثقب من ذرة نحاس إلى أخرى يعود لف الذرة الأولى فيظهر مدمراً بذلك التنظيم الكامل للعزوم المغنطيسية في الجوار. فهذه القفزات تستهلك بالتالي الطاقة وتميل إلى الحد من حركة الثقوب. ويكون الإنتظام على شكل شرائط هو الوسيلة بالنسبة للثقوب من أجل التغلب على هذه المشكلة. فإذا كانت كثيرة بما فيه الكفاية لتتجمع في شرائط فإن حركتها تصبح أسهل لأنها لا تشوش انتظام اللف الذاتي للذرات. وهكذا تحفظ المناطق المجاورة انتظامها الكامل أعلى أسفل أعلى أسفل. وعلى الرغم من وجود دلائل منذ بداية التسعينات على وجود هذه الشرائط، إلا أنه لم يمكن لأحد ملاحظتها. وكان الرأي أن عدم ظهورها يرجع إلى انتقالهاالدائم. ولهذا حاول العلماء إيجاد طريقة لتثبيتها. فأضافوا عنصر النيوديم الذي يحمل الرقم الذري 60 إلى خزف فائق الناقلية مصنوع من العناصر السابقة آملين أنه سيغير بدرجة كافية الشبكة بحيث يمنع الشرائط من الإنتقال. ثم أطلقوا على هذه العينة حزمة من النوترونات بهدف سبر بنيتها المغنطيسية الدقيقة. فللنوترونات لف ذاتي قادر على كشف اللف الذاتي للإلكترونات. وبيّنت معطيات توزع النوترونات أن هذه الخزفيات تملك فعلاً حزماً من اللف الذاتي الإلكتروني الموجه المتناوب والغني بالشحنات الكهربائية. وعندها افترض العلماء أن هذه الحزم المتموجة تساعد ليس فقط الشحنات على الحركة عبر الخزف بل وتكون أساسية في ناقليتها الفائقة في درجات الحرارة العالية. فمن المعروف أن الناقلية الفائقة تستخدم أزواجاً من الشحنات الكهربائية، أكان الأمر يتعلق بإلكترونات أم بثقوب. ويسهل هذا التزاوج اجتياز أزواج الشحنات للمادة لأن أزواج الشحنات التي ليس لها لف ذاتي ظاهرياً لا تصطدم كثيراً بذرات الشبكة. وأحد أهم تحديات نظرية الناقلية الفائقة هي تفسير ذلك.


كيف يمكن لهذه الشرائط أو الأحزمة أن تفسر الناقلية الفائقة؟ يعتقد العلماء أن هذا التفسير يكمن في وجود شرائط الشحنات هذه. فبحصر الشحنات في مناطق ضيقة ترفع هذه الحواجز المغناطيسية من طاقة الثقوب. وتحاول هذه الثقوب أن تتوسع بسبب التفاعل. فإذا كانت هذه الثقوب لا تستطيع التوسع فردياً بتجمعها زوجاً زوجاً، لكنها تستطيع التشارك لتغيير تنظيم اللف الذاتي في الحواجز واجتيازها بواسطة الأثر النفقي، مقلصة من طاقتها الكلية. وما أن تتشكل الأزواج من الإلكترونات أو الثقوب حتى تستطيع الإنتقال بلا جهد في المادة. وعلى الرغم من معارضة عدد كبير من العلماء لهذا التفسير لكن تجارب حديثة بدأت ترجح الكفة لصالح هذه النظرية. فقد برهن فريق من العلماء مؤخراً وجود هذه الشرائط  المغنطيسية المتموجة في ناقل فائق مختلف مؤلف من الإيتريوم والباريوم والنحاس والأكسجين. وبالمقابل بدأت تجارب أخرى تثبت أن هذه الشرائط يمكن ألا تكون مدمرة بالضرورة للناقلية الفائقة. فقد برهن فريق من العلماء مؤخراً أن الناقلية الفائقة يمكن أن توجد مع وجود أشرطة ثابتة. وأحد التفسيرات التي يقدمها فيزيائي نظري من برنستون للموافقة بين وجود هذه الشرائط الثابتة والناقلية الفائقة هو إمكانية أن تكون الشرائط الثابتة محصورة في مناطق منفصلة وليست فائقة الناقلية في المادة. ويرى فريق آخر أن هذه الشرائط ليس ثابتة تماماً بل أنها تنزلق متموجة حول وضعية وسطية. وفي كافة الأحوال فقد أصبحت هذه الشرائط معلماً أساسياً في فيزياء النواقل الفائقة، وهي تعد بالنسبة للعلماء بكشف جوانب كثيرة من غموض هذه الظاهرة.


ترجمة وإعداد:  موسى ديب الخوري،



تم عمل هذا الموقع بواسطة